إهدااااااااااااء إليها بمناسبة مولودها الأول…
_____________________________________
هاهي الساعة تقترب من التاسعة ليلاً, لها طعم مختلف أكاد أتذوقه…طعم الفقد والخسارة! يهولني انعكاسي في المرآة… أبدو جميلة! رغم الألم والحزن؟
أرتدي فستاناً أسوداً بسيطاً تزدان أكمامه بشرائط حمراء من الساتان الناعم, يلتف على جسدي بعفوية ألحظها للتو وكأنه يحضنني ليهون علي!
أتأكد من ثبات تسريحتي المزدانة بفراشات حمراء لامعة…وزينتي التي تتكون من كحل أسود كالليل مما أعطى عيناي البندقيتين مزيداً من الإضاءة مغلفتان بظل فضي…وصبغتُ شفتاي الرقيقتين بالأحمر الهادئ…
كادت ابتسامة أن تهرب من شفتي لكنها تلاشت حالما سمعت أمي تناديني وتطلب مني التعجل, فهاهي الساعة الحمقاء تشير للتاسعة والنصف, وعلي أن أكون هناك في تمام العاشرة…
استعرت منها حذاءً عالٍ أسود, ثم ارتديت عباءتي بسرعة, وركبت السيارة.
بعد أن أخبرت السائق عن وجهتنا سمحت لخلايا عقلي المتوتر أن ترتخي, بدأت أتنقى الذكريات معها حتى ملأتني واحدة فعدت لمعايشتها من جديد…
كانت من أهدأ الفتيات في الصف, تجلس دائماً في الأمام, وبينما عيناها تتابعان المعلمة كانت أصابعها تضيع في شعرها الطويل…
لا أعلم لماذا أؤمن بالنظرية التي تنص على أن الهدوء يخفي الكثير… كانت تثير فضولي على ما أعتقد…رغبت بمعرفة كل شيء عنها…ما تحب وما تكره؟ عدد إخوتها؟ لونها المفضل؟
توجهت إليها يوماً بعد خروج الفتيات للفسحة وعرفتها على نفسي ثم دعوتها لمرافقتي للإفطار. اشترينا فطيرتي جبن وعصيرا برتقال وأصررت أنا على الدفع…جلسنا وتحدثنا عن المدرسة والأصدقاء. وبعد فترة أصبح روتيناً يومياً لنا. أصبحنا نفطر معاً دائماً وأصبحت أحاديثنا أكثر عمقاً. علمت فيما بعد بأن لها أخ واحد فقط وأن لونها المفضل هو الأبيض… تشاركنا أسرارنا وأحلامنا ومخاوفنا…وشيئاً فشيئاً إذا بنا نتشارك جميع أوجه حياتنا المختلفة…
فجأة تنبهت بأن السيارة توقفت, بالكاد ابتلعت حقيقة وصولي إلى القاعة التي ستتزوج فيها صديقتي المفضلة…حاولت تهدئة أعصابي ورسم أفراح كاذبة على ملامح وجهي المليء بشحطات الفراق… كنت أسمع صوت الموسيقى القادم من الداخل وأنا أسلم عباءتي للاستقبال وآخذ رقماً لها. واجهت نفسي أمام المرآة للمرة الأخيرة وإذا بدقات قلبي تتسارع ثم توجهت بخطوات مرتبكة إلى غرفة صديقتي… العروس!
عندما وقعت عيناي عليها اختفت كل الأفكار من رأسي… كانت تبدو فائقة الجمال كراقصة باليه في عرضها الأول…فستانها الأبيض بلونها المفضل يلمع فرحاً وزينتها استطاعت إظهار ملامح وجهها المبتسم على أكمل وجه وشعرها الطويل رفع كله ما عدا بضع خصلات تتدلى كالغزال الشارد على استدارة وجهها…كانت تبدو مختلفة عن الفتاة الهادئة في ذاكرتي وكأنها بفرحها تريد ملأ العالم بالصخب الجميل!
تلاقت أعيننا بابتسامة وعلمت حينها أن رباط صداقتنا ذا الخمس سنوات سيظل متيناً رغم زواجها ومسئولياتها الجديدة…غادرني الحزن كحمامة فردت أجنحتها لمستقبل مشرق وعندما حان الوداع لتبدأ هي رحلة جديدة لا أعرف كنهها بعد احتضنتها وأنا أهمس بعبارات الدعاء لها …غادرت بأحلام جديدة وردية ناعمة…وبقيت أنا أدعو لها بالتوفيق في حياتها الجديدة…وأنا أعلم علم اليقين أن لصداقتنا بقية…